كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني - العلمية

"""""" صفحة رقم 154 """"""
كَمْ اخْتَلَسَتْ أَيْدي المَنُونِ ، مِنْ قُرُونٍ بَعْدَ قُرُونٍ ? َوكَمْ غَيَّرَتْ بِبِلاهَا ، وَغَيَّبَتْ أَكْثَرَ الرِّجَالِ في ثَرَاها ? ? ?
وَأَنْتَ عَلَى الدُّنْيا مُكِبٌ مٌنافِسٌ لِخُطَّابِها فيها حَريصٌ مُكاثِرُ
عَلَى خَطَرٍ تَمْشِي وَتُصْبِحُ لاهِياً أَتَدْري بِمَاذَا لَوْ عَقَلْتَ تُخاطِرُ
وَإِنَّ امْرَأً يَسْعى لِدُنْياهُ جاهِداً وَيُذْهَلُ عَنْ أُخْرَاهُ لا شَكَّ خَاسِرُ
انْظُرْ إِلى الأُمَمِ الخَالِيةِ ، وَالمُلُوكِ الفَانِيَةِ ، كَيْفَ انْتَسَفَتْهُمُ الأَيَّامُ ، وَأَفْنَاهُمُ الحِمَامُ ? فَانْمَحَتْ آثارُهُمْ ، وَبَقِيَتْ أَخْبارُهمْ .
فَأَضْحَوْا رَمِيماً في التُّرَابِ وَأَقْفَرَتْ مَجالِسُ مِنْهُمْ عُطِّلَتْ وَمَقَاصِرُ
وَخَلَّوْا عَنِ الدُّنْيَا وَما جَمَعُوا بِها وَما فَازَ مِنْهُمْ غَيْرُ مَنْ هُوَ صَابِرُ
وَحَلوا بِدَارٍ لاَ تَزَاوُرَ بَيْنَهُمْ وَأَنَّى لِسُكَّانِ القُبورِ اتزَاوُرُ
فَمَا إِنْ تَرَى إِلاَّ رُمُوساً ثَوَوْا بِها مُسَطَّحَةً تًسْفِي عَلَيْها الأَعَاصِرُ

الصفحة 154