كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني - العلمية

"""""" صفحة رقم 156 """"""
فَنَائِهَا ? أَلاَ تَعْجَبُونَ مِمَّنْ يَنامُ وَهْوَ يَخْشى الْمَوتَ ، وَلا يَرْجُو الفَوْتَ ?
أَلاَ ، لاَ ، وَلكِنَّا نَغُرُّ نُفوسنا وَتَغَلُهَا اللَّذَّاتُ عَمَّا نُحَاذِرُ
وَكَيْفَ يَلَذُّ العَيْشَ مَنْ هُوَ مُوقِنٌ بِمَوْقِفِ عَدْلٍ حَيْثُ تُبْلى السَرَائِرُ
كَأَنَّا نَرى أَنْ لا نُشُورَ ، وَأَنَّنَا سُدَىً ، مَا لَنَا بَعْدَ الفَنَاءِ مَصَائِرُ
كَمْ َغَرَّتِ الدُّنْيا مِنْ مُخْلِدٍ إِلَيْهَا وَصَرَعَتْ مِنْ مُكِبٍّ عَلَيْهَا ؛ فَلَمْ تُنْعِشْهُ مِنْ عَثْرَتِهِ ? وَلَمْ تُقِلْهُ مِنْ صَرْعَتِهِ ، وَلَمْ تُداوِهِ مِنْ سَقَمِهِ ، وَلَمْ تَشْفِهِ مِنْ أَلَمِهِ .
بَلى أَوْرَدَتْهُ بَعْدَ عِزٍّ وَرِفْعَةِ مَوَارِدَ سُوءٍ ما لَهُنَّ مصادِرُ
فَلَمَّا رَأَى أَنْ لاَ نَجَاةَ وَأَنَّهُ هُوَ المَوْتُ لاَ يُنْجِيهِ مِنْهُ المُؤازِرُ
تَنَدَّمَ لَوْ أَغْناهُ طُولُ نَدَامَةٍ عَلَيْهِ وَأَبْكتهُ الذُّنُوبُ الكَبَائِرُ
بَكَى عَلى مَا سَلَفَ مِنْ خَطَايَاهُ ، وَتَحَسَّرَ عَلى مَا خَلَّفَ مِنْ دُنْيَاهُ ، حَيْثُ لَمْ يَنْفَعُهُ الاِسْتِعْبَارُ ، وَلَمْ يُنْجِهَ الاعْتَذَارُ .
أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وَهُمومهُ وَأَبْلَسَ لَمَا أَعْجَزَتْهُ المَعاذِرُ

الصفحة 156