كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني - العلمية

"""""" صفحة رقم 198 """"""
وَدَخَلَ عَلى أَثَرِي رَجُلٌ وَعَمَدَ إِلى قِطْعَةِ طِينٍ فَلطَّخَ بِها جَبِينِي ، وَوَضَعَها على رأَسِي ، ثُمَّ خَرَجَ وَدَخَل آخَرُ فَجَعَلَ يَدْلِكُنِي دَلْكَاً يَكُدُّ العِظامَ ، وَيَغْمِزُنِي غَمْزَاً يَهُدُّ الأَوْصالَ وَيُصَفِّرُ صَفِيراً يَرُشُ البُزَاقَ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلى رَأَسِي يَغْسِلْهُ ، وَإِلَى المَاءِ يُرْسِلهُ ، وَمَا لَبِثَ أَنْ دَخَلَ الأَوَّلُ فَحَيَّا أَخْدَعَ الثَّانِي بِمَضُمومَةٍ قَعْقَعَتْ أَنْيابَهُ ، وَقَالَ : يَا لُكَعُ مَا لَكَ وَلِهَذا الرَّأْسِ وَهُوَ لي ? ثُمَّ عَطَفَ الثَّاني عَلى الأَوَّلِ بِمَجْمُوعَةٍ هَتَكَتْ حِجَابَهُ ، وَقالَ : بَلْ هَذَا الرَّأْسُ حَقِّي وَمِلْكِي وَفِي يَدِي ، ثُمَّ تَلاكَمَا حّتَّى عَيِيَا ، وَتَحَاكَمَا لِما بَقِيا ، فَأَتَيا صَاحِبَ الحَمَّامِ ، فَقَالَ الأَوَّلُ : أَنَا صَاحِبُ هَذا الرَّأْسِ ؛ لأَنِّي لَطَّخْتُ جَبِينَهُ ، وَوَضَعْتُ عَلَيْهِ طِيَنهُ ، وَقَالَ الثَّاني : بَلْ أَنَا مَالِكُهُ ؛ لأَنشي دَلَكْتُ حَامِلَهُ ، وَغَمَزْتُ مَفَاصِلَهُ ، فَقَالَ الحَمَّامِيُّ : ائْتُونِي بِصَاحِبِ الرَّأْسِ أَسْأَلهُ ، أَلَكَ هذَا الرَّأْسُ أَمْ لَهُ ، فَأَتَيَانِي وَقَالا : لَنَا عِنْدَكَ شَهَادَةٌ فَتَجَشَّمْ ، فَقُمْتُ وَأَتَيْتُ ، شِئْتُ أَمْ أَبَيْتُ ، فَقَالَ الحَمَّامِي : يَا رَجُلُ لاَ تَقُل غَيْرَ الصِّدْقِ ، وَلا تَشْهَدْ بِغَيْرِ الحَقِّ ، وَقُلْ لِي : هذَا الرَّأْسُ لأيِّهِمَا ، فَقُلْتُ : يَا عَافَاكَ اللهُ هذَا رأْسِي ، قَدْ صَحِبَنِي فِي الطَّرِيقِ ، وَطَافَ مَعِي بِالْبَيْتِ العَتِيقِ ، وَمَا شَككْتُ أَنَّهُ لِي ، فَقالَ لِي :

الصفحة 198