كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني - العلمية

"""""" صفحة رقم 212 """"""
وَأَعِيشُ مَعَكَ في رَخَاءٍ ، لَكِّنَكَ أَبَيْتَ فَخُذَ الآنَ ، فَمَا أَحَدٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ إِلاَّ وَمَعْهُ مُعِينٌ مِنَّا ، وَأَنَا أَمْلَيْتْ عَلَى جَرِيرٍ هذِهِ القَصِيدَةَ ، وَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُرَّةَ .
قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ : ثُمَّ غَابَ وَلَمْ أَرَهُ وَمَضَيْتُ لِوَجْهِي ، فَلَقِيتُ رَجُلاً فِي يَدِهِ مَذَبَّةُ ، فَقُلْتُ : هَذَا وَاللهِ صَاحِبي ، وَقُلْتُ لَهُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ فَنَاوَلنِي مِسْرَجَةً ، وَأَوْمَأَ إِلَى غَارٍ فِي الجَبَلِ مُظْلِمٍ ، فَقَالَ : دُونَكَ الغَارَ ، وَمَعكَ النَّار ، قَالَ : فَدَخَلْتُهُ فَإِذَا أَنَا بإِبِلي قَدْ أَخَذَتْ سَمْتَهَا ، فَلَوَيْتُ وَجُوهَهَا وَرَدَدْتُهَا ، وَبَيْنَا أَنَا في تِلْكَ الحَالةِ في الغِيَاضِ أَدُبُّ الخَمَرَ ، إِذْ بِأَبِي الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيِّ تَلَقَّانِي بِالسَّلاَمش ، فَقُلْتُ : مَا حَدَاكَ وَيْحَكَ إِلَى هَذَا المَقامِ ? قَالَ : جَوْرُ الأَيَّامِ ، فِي الأَحْكَامِ ، وَعَدَمُ الكِرَامِ ، مِنَ الأَنَامِ ، قُلتُ : فَاحْكُمْ حُكْمَكَ يا أَبَا الفَتْحِ ، فَقَالَ : احْمِلنِي عَلَى قَعُودٍ ، وَأَرِقْ لي مَاءً فِي عُودٍ ، فَقلْتُ : لَكَ ذَلِكَ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ :
نَفْسِي فِدَاءُ مُحَكِّمٍ كَلَّفْتُهُ شَطَطَاً فَأَسْجَحْ
مَا حَكَّ لِحْيَتَهُ ، وَلاَ مَسَحَ المُخَاطَ ، وَلاَ تَنَحْنَحَ
ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ بِخَبرِ الشَّيْخِ ، فَأَوْمأَ إِلى عِمَامَتِهِ ، وَقَالَ : هَذِهِ ثَمَرَةُ بِرِّهِ ، فَقُلتُ : يَا أَبَا الفَتْحِ شَحَذْتَ عَلى إِبْلِيسَ ? إِنَّكَ لَشَحَّاذٌ

الصفحة 212