كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني - العلمية

"""""" صفحة رقم 215 """"""
فَإِنَّي مَقْرُورٌ ، وَلَمَّا فَرَعَ سَنَامَهُ جَعَلَ يُحَدِّثُ القَوْمَ بِحَالِهِ ، وَيُخْبِرُهُمْ بِاخْتِلاَلَهِ ، وَيَنْشُرُ المِلْحَ فشي التَّنُّورِ مِنْ تَحْتِ أَذْيَالهِ ، يُوهِمُهُمْ أَنَّ أَذَىً بِثِيَابِهِ ، فَقَالَ الخَبَّازُ : مَا لَكَ لا أَبَا لَكَ ? اجْمَعْ أَذْيَالَكَ فَقَدْ أَفْسَدْتَ الخُبْزَ عَلَيْنَا ، وَقَامَ إِلَى الرُّغْفَانِ فَرَمَاهَا ، وَجَعَل الإِسْكَنْدَرِيُّ يَلْتَقِطُهَا ، وَيَتَأَبَّطُهَا ، فَأَعْجَبَتَني حِيَلتُهُ فِيمَا فَعَلَ ، وَقاَل : اصْبِرْ عَلَيَّ حَتَّى أَحْتَالَ عَلَى الأَدْمِ ، فَلاَ حِيلَةَ مَعَ العُدْمِ ، وَصَارَ إِلى رَجُلٍ قَدْ صَفَّفَ أَوانيَ نَظِيفةً فيها أَلوانُ الأَلْبَانِ ، فَسأَلَهُ عَنِ الأَثْمَانِ ، وَاسْتَأْذَنَ في الذَّوْقِ ، فَقَالَ : أفْعَلْ ، فَأَدَارَ في الآنِيةِ إِصْبَعَهُ ، كَأَنَّهُ يَطْلُبُ شَيْئَاً ضَيَّعَهُ ، ثُمَّ قَالَ : لَيْسَ مَعِي ثَمَنُهُ ، وَهَلْ رَغْبَةٌ في الحِجَامَةِ ? فَقالَ : قَبَّحَكَ اللهُ أَنْتَ حَجَّامٌ ? قَالَ : نَعَمْ ، فَعَمَدَ لأَعْرَاضِهِ يَسُبَّهَا ، وإِلَى الآنِيَةِ يَصُبُّهَا ، فَقَالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ : آثِرْنِي عَلَى الشَّيْطانِ ، فَقالَ : خُذْهَا لاَ بُورِكَ لَكَ فِيها ، فَأَخَذَهَا وَأَوَيْنَا إِلى خَلْوَةٍ ، وَأَكَلْنَاهَا بِدَفْعَةٍ ، وَسِرْنَا حَتَّى

الصفحة 215