كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني - العلمية

"""""" صفحة رقم 216 """"""
أَتَيْنَا قَرْيَةً اسْتَطَعَمْنا أَهْلَهَا ، فَبَادَرَ مِنْ بَيْنِ الجَمَاعَةِ فَتىً إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَجاءَنَا بِصَفْحَةٍ قَدْ سَدَّ اللَّبَنُ أَنْفاسَها ، حَتَّى بَلَغَ رَأْسَهَا ، فَجَعَلْنا نَتَحَسَّاها ، حَتَّى اسْتَوفَيْناها ، وسَأَلْناهُمُ الخُبْزَ ، فَأَبَوا إِلاَ بِالثَّمَنِ ، فَقَالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ : مَا لَكُمْ تَجُودُونَ بِاللَّبَنِ ، وَتَمْنَعُونَ الخُبْزَ إِلاَّ بِالثَمَنِ ? فَقَالَ الغُلاَمُ : كَانَ هَذَا اللَّبَنُ فِي غَضَارةٍ ، قَدْ وَقَعَتْ فَيهَ فَارَةٌ ، فَنَحْنُ نَتَصَدَّقُ بِهِ على السَّيَّارَةِ ، فَقالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ : إِنَّا للهِ وَأَخَذَ الصَّحْفَةَ فَكَسَرَهَا ، فَصَاحَ الغُلاَمُ : وَاحَرَبَاهُ ، وَامَحْرُوبَاهُ ، فَاقْشَعَرَّتْ مِنَّا الجِلْدَةُ ، وَانْقَلَبَتْ عَلَيْنَا المَعِدَةُ ، وَنَفَضْنَا مَا كُنَّا أَكَلْنَاهُ ، وَقُلْتُ : هَذا جَزَاءُ مَا بِالأَمْسِ فَعَلْنَاهُ ، وَأَنْشأَ أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ يَقُولُ :
يَا نَفْسُ لاَ تَتَغَثَّى فَالشَّهْمُ لاَ يَتَغَثَّا

الصفحة 216