كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني - العلمية

"""""" صفحة رقم 243 """"""
مُحْرِقَاتٍ ، وَأَلْوَاناً مِنْ طَبَاهِجَاتٍ ، وَنَوادِرَ مُعَدَّاتٍ ، وَأَكَلْنَا وَانْتَقَلْنَا إِلَى مَجْلِسِ الشَّرَابِ ، فَأُحْضِرَتْ لَهُمْ زَهْرَاءٌ خَنْدَرِيسِيَّةٌ ، وَمُغَنِّيَاتٌ حِسَانٌ مُحْسِنَاتٌ ، فَأَخَذُوا فِي شَأْنِهِمْ وَشَرِبْنَا ، فَمَضَى لَنَا أَحْسَنُ يَوْمٍ يَكُونُ ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَعْدَدْتُ لَهُمْ بِعَدَدِهِمْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَنّاً مِنْ صِنَانِ البَاذِنْجَانِ ، كُلُّ صَنٍّ بِأَرْبَعَةِ آذَانٍ ، واسْتَأْجَرَ غُلاَمِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمَّالاً ، كلُّ حَمَّالٍ بِدِرْهَمينِ ، وَعَرَّفَ الحَمالِينَ مَنَازِلَ القَوْمِ ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالمُوَافَاةِ بِعِشاَءِ الآخِرَةِ ، وَتَقَدَّمْتُ إِلى غُلاَمي وَكَانَ دَاهِيَةً أَنْ يَدْفَعَ إِلَى القَوْمِ بِالْمَنِّ وَالرَّطْلِ ، وَيَصْرِفَ لَهُمْ ، وَأَنَا أُبَخِّرُ بَيْنَ أَيْدِيِهِمْ النَّدَّ وَالعُودَ وَالعَنْبَرَ ، فَمَا مَضَتْ سَاعَةٌ إِلاَّ وَهُمْ مِنَ السُّكْرِ أَمْوَاتُ لاَ يَعْقِلُونَ وَوَافَانَا غِلْمَانُهُمْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِدَابَّةٍ أَوْ حِمارٍ أَوْ بَغْلَةٍ ، فَعَرَّفْتُهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدِي الَّلْيلَةَ بَائِتُونَ ، فَانْصَرَفُوا ، وَوَجَّهْتُ إِلى بِلاَلٍ المُزَيِّنِ فَأَحْضَرْتُهُ ، وَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ طَعَاماً فَأَكَلَ ، وَسَقَيْتُهُ مِنَ الشَّرَابِ القُطْرُ بُّلىً ، فَشَرِبَ حَتَّى ثَمِلَ ، وَجَعَلْتُ فِي فِيهِ دِينَارَيْنِ أَحْمَرَينِ ، وَقُلْتُ : شَأْنَكَ وَالقَوْمَ ، فَحَلَقَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ لِحْيَةً ، فَصَارَ القَوْمُ جُرْداً مُرْداً ، كَأَهْلِ الجَنَّةِ ، وَجَعَلْتُ لِحْيَةَ كُلَِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَصْرُورَةً فِي ثَوْبِهِ ، وَمَعْهَا رُقْعَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا : ( مَنْ أَضْمَرَ بِصَدِيقِهِ الغَدْرَ وَتَرْكَ الوَفَاءِ ، كَانَ هَذَا مُكَاَفأَتَهُ وَالجَزَاءَ ) . وَجَعَلْتُهَا فِي جَيْبِهِ ، وَشَدَدْنَاهُمْ فِي الصِّنَانِ ، وَوَافَى الحَمَّالُونَ عِشَاءَ الآخِرَةِ ، فَحَمَلُوهُمْ بِكَرَّةٍ خَاسِرَةٍ ، فَحَصَلُوا فِي مَنَازِلِهِمْ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَأَوْا فِي نُفُوسِهِمْ هَمَّاً عَظِيماً ، لا

الصفحة 243