كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني - العلمية

"""""" صفحة رقم 278 """"""
وَعُدَدِ الجَبَابِرَةِ ، أَكْثَرُهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ ، وَدُرُّ وَجَوْهَرٌ وَتِيجَانٌ مُرَصَّعَةٌ وَبِدَرٌ مُجَمَّعَةٌ فَلَمَّا أَنْ سَمِعْنَا ذَلِكَ أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ وَمِلْنَا إِلَيْهِ ، وَأَخَذْنَا نَسْتَعْجِز رَأَيَهُ ، فِي القُنُوعِ بِيَسِيرِ المَكَاسِبِ ، مَعَ أَنَّهُ عَارِفٌ بِهَذِهِ المَطَالِبِ ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يَفْزَعُ مِنْ السُّلْطانِ ، وَلا يَثِقُ إِلى أَحَدٍ مِنَ الإِخْوَانِ ، فَقُلْنَا لَهُ : قَدْ سَمِعْنَا حُجَّتُكَ ، وَقَبِلْنَا مَعْذِرَتَكَ ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحْسِنَ إِلَيْنَا ، وَتَمُنَّ عَلَيْنَا ، وَتُعَرَّفْنَا أَحَدَ هَذَيْنِ المَطْلَبَيْنِ ، عَلى أَنَّ لَكَ الثُّلُثَيْنِ ؛ فَعَلْتَ ، فَأمالَ إِلَيْنَا يَدَهُ ، وَقَالَ : مَنْ قَدَّمَ شَيْئاً وَجَدَهُ ، وَمَنْ عَرَفَ مَا يُنَالُ ، هَانَ عَلَيْهِ بَذْلُ المَالِ ، فَكُلٌّ مِنَّا حَبَاهُ بِما حَضَرَ ، وَتَشَوَّقَ إِلى مَا ذَكَرَ ، فَلَمَّا مَلأْنَا كَفَّهُ ، رَفَعَ إِلَيْنَا طَرْفَهُ ، وَقَالَ : لابُدَّ أَنْ يَقْضِيَ عَلَقاً ، وَنَنَالُ مَا يُمْسِكُ رَمَقاً ، وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُنَا ، وَالمَوْعِدُ غَداً هَاهُنَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى .
قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ : فَلَمَّا تَفَرَّقَتْ تِلْكَ الجَمَاعَةُ ، قَعَدْتُ بَعْدَهُمْ سَاعَةً ، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ ، وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَقُلْتُ وَقَدْ رَغِبْتُ في مَعْرِفَتِهِ ، وَتَاقَتْ نَفْسِي إِلَى مُحَادَثَتِهِ : كَأَنَّنيِ عَارِفٌ بِنَسَبِكَ ، وَقَدْ اجْتَمَعْتُ بِكَ فَقَالَ : نَعَمْ ضَمَّنَا طَرِيقُ ، وَأَنْتَ لِي رَفِيقٌ ، فَقُلْتُ : قَدْ غَيَّرَكَ عَلَيَّ الزَّمَانُ ، وَمَا أَنْسَانِيكَ إِلاَّ الشَّيْطَانُ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ :
أَنَا جَبَّارُ الزَّمَانِ لِي مِنَ السُّخْفِ مَعَانِي

الصفحة 278