كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: مقدمة)
قاتل ولدي الحكيم المالك، فهان عليَّ القَتْلُ والمقتولُ لجلالة القاتل " (١).
ولم يقتصر الأمر على تَصَبُّرِهِ بل كان ينهى عن إظهار الجزع أو تهييج الأحزان، يقول رحمه الله: "لما أُصبتُ بولدي عقيلٍ خرجتُ إلى المسجد إكراماً لمن قصدني من الناس والصُّدور، فجعل قارىء يقرأ: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} [يوسف: ٧٨] فبكى الناس، وضجَّ الموضعُ بالبُكاء، فقلت له: يا هذا، إن كان قصدُك بهذا تهييج الأحزان فهو نياحةٌ بالقرآن، وما نزل القرآن للنَّوح، وإنَّما نزل ليُسَكَنَ الأحزان، فأمْسِكْ " (٢).
فتأمل ورعه ودينه رحمه الله، لم يمنعه حزنه على ولده من بيان الحقِّ، وإرشادِ الخلق.
الثاني: أبو منصور هِبةُ الله، حفظ القرآن، وتفقَّه، وظهر منه أشياء تدلُّ على عقلٍ ودينٍ، ثم مرض وطال مرضُه، وأنفق عليه أبوه مالاً كثيراً في مرضه، وبالغ في ذلك.
يحكي ابن عقيل عن مرض ابنه ووفاته فيقول: "قال لي ابني لمّا تقارب أجله: ياسيدي قد أنفقت، وبالغت في الأدوية والطبّ والأدعية، ولله تعالى فيَّ اختيار، فدعني مع اختياره. قال: فوالله ما أنطق الله سبحانه وتعالى ولدي بهذه المقالة التي تُشاكلُ قول ابن إبراهيم لإبراهيم: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} إلا وقد اختاره الله تعالى للحظوة" (٣). وتألَّم- رحمه الله- لوفاة ابنه الثاني، إلا أنه تصبر وسلم لأمر الله، واستسلم لقضائه، وكان
---------------
(١) نفس المصدر ١/ ١٦٤.
(٢) المنتظم ٩/ ١٨٨.
(٣) ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٦٥.
الصفحة 12
43